تفسير ابن كثر - سورة الزمر الآية 23 | القرآن الكريم للجميع
Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة الزمر - الآية 23

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) (الزمر) mp3
هَذَا مَدْح مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِكِتَابِهِ الْقُرْآن الْعَظِيم الْمُنَزَّل عَلَى رَسُوله الْكَرِيم قَالَ اللَّه تَعَالَى " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ " قَالَ مُجَاهِد يَعْنِي الْقُرْآن كُلّه مُتَشَابِه مَثَانِي وَقَالَ قَتَادَة : الْآيَة تُشْبِه الْآيَة وَالْحَرْف يُشْبِه الْحَرْف وَقَالَ الضَّحَّاك : مَثَانِي تَرْدِيد الْقَوْل لِيَفْهَمُوا عَنْ رَبّهمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَالَ عِكْرِمَة وَالْحَسَن ثَنَّى اللَّه فِيهِ الْقَضَاء زَادَ الْحَسَن تَكُون السُّورَة فِيهَا آيَة وَفِي السُّورَة الْأُخْرَى آيَة تُشْبِههَا قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم : مَثَانِي مُرَدَّد رُدِّدَ مُوسَى فِي الْقُرْآن وَصَالِح وَهُود وَالْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي أَمْكِنَة كَثِيرَة وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا " مَثَانِي " قَالَ الْقُرْآن يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا وَيُرَدُّ بَعْضه عَلَى بَعْض وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء وَيُرْوَى عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى " مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ " أَنَّ سِيَاقَات الْقُرْآن تَارَة تَكُون فِي مَعْنًى وَاحِد فَهَذَانِ مِنْ الْمُتَشَابِه وَتَارَة تَكُون بِذِكْرِ الشَّيْء وَضِدّه كَذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ الْكَافِرِينَ وَكَصِفَّةِ الْجَنَّة ثُمَّ صِفَة النَّار وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَهَذَا مِنْ الْمَثَانِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى " إِنَّ الْأَبْرَار لَفِي نَعِيم وَإِنَّ الْفُجَّار لَفِي جَحِيم " وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " كَلَّا إِنَّ كِتَاب الْفُجَّار لَفِي سِجِّين - إِلَى أَنْ قَالَ - كَلَّا إِنَّ كِتَاب الْأَبْرَار لَفِي عِلِّيِّينَ " " هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآب - إِلَى أَنْ قَالَ - هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآب " وَنَحْو هَذَا مِنْ السِّيَاقَات فَهَذَا كُلّه مِنْ الْمَثَانِي أَيْ فِي مَعْنَيَيْنِ اِثْنَيْنِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ السِّيَاق كُلّه فِي مَعْنًى وَاحِد يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا فَهُوَ الْمُتَشَابِه وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمُتَشَابِه الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى " مِنْهُ آيَات مُحْكَمَات هُنَّ أُمّ الْكِتَاب وَأُخَر مُتَشَابِهَات " ذَاكَ مَعْنًى آخَر. وَقَوْله تَعَالَى " تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُود الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ ثُمَّ تَلِين جُلُودهمْ وَقُلُوبهمْ إِلَى ذِكْر اللَّه " أَيْ هَذِهِ صِفَة الْأَبْرَار عِنْد سَمَاع كَلَام الْجَبَّار الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْغَفَّار لِمَا يَفْهَمُونَ مِنْهُ مِنْ الْوَعْد وَالْوَعِيد وَالتَّخْوِيف وَالتَّهْدِيد تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودهمْ مِنْ الْخَشْيَة وَالْخَوْف " ثُمَّ تَلِين جُلُودهمْ وَقُلُوبهمْ إِلَى ذِكْر اللَّه " لِمَا يَرْجُونَ وَيُؤَمِّلُونَ مِنْ رَحْمَته وَلُطْفه فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُجَّار مِنْ وُجُوه " أَحَدهَا " أَنَّ سَمَاع هَؤُلَاءِ هُوَ تِلَاوَة الْآيَات وَسَمَاع أُولَئِكَ نَغَمَات الْأَبْيَات مِنْ أَصْوَات الْقَيْنَات " الثَّانِي " أَنَّهُمْ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا بِأَدَبٍ وَخَشْيَة وَرَجَاء وَمَحَبَّة وَفَهْم وَعِلْم كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ " وَقَالَ تَعَالَى " وَاَلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا " أَيْ لَمْ يَكُونُوا عِنْد سَمَاعهَا مُتَشَاغِلِينَ لَاهِينَ عَنْهَا بَلْ مُصْغِينَ إِلَيْهَا فَاهِمِينَ بَصِيرِينَ بِمَعَانِيهَا فَلِهَذَا إِنَّمَا يَعْمَلُونَ بِهَا وَيَسْجُدُونَ عِنْدهَا عَنْ بَصِيرَة لَا عَنْ جَهْل وَمُتَابَعَة لِغَيْرِهِمْ " الثَّالِث " أَنَّهُمْ يَلْزَمُونَ الْأَدَب عِنْد سَمَاعهَا كَمَا كَانَ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عِنْد سَمَاعهمْ كَلَام اللَّه تَعَالَى مِنْ تِلَاوَة رَسُول اللَّه تَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ ثُمَّ تَلِين مَعَ قُلُوبهمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه لَمْ يَكُونُوا يَتَصَارَخُونَ وَلَا يَتَكَلَّفُونَ مَا لَيْسَ فِيهِمْ بَلْ عِنْدهمْ مِنْ الثَّبَات وَالسُّكُون وَالْأَدَب وَالْخَشْيَة مَا لَا يَلْحَقهُمْ أَحَد فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا فَازُوا بِالْمَدْحِ مِنْ الرَّبِّ الْأَعْلَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ عَبْد الرَّزَّاق حَدَّثَنَا مَعْمَر قَالَ تَلَا قَتَادَة رَحِمَهُ اللَّه " تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُود الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ ثُمَّ تَلِين جُلُودهمْ وَقُلُوبهمْ إِلَى ذِكْر اللَّه " قَالَ هَذَا نَعْت أَوْلِيَاء اللَّه نَعَتَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ تَقْشَعِرَّ جُلُودهمْ وَتَبْكِي أَعْيُنهمْ وَتُطَمْئِن قُلُوبهمْ إِلَى ذِكْر اللَّه وَلَمْ يَنْعَتهُمْ بِذَهَابِ عُقُولِهِمْ وَالْغِشْيَان عَلَيْهِمْ إِنَّمَا هَذَا فِي أَهْل الْبِدَع وَهَذَا مِنْ الشَّيْطَان وَقَالَ السُّدِّيّ " ثُمَّ تَلِين جُلُودهمْ وَقُلُوبهمْ إِلَى ذِكْر اللَّه " أَيْ إِلَى وَعْد اللَّه وَقَوْله " ذَلِكَ هُدَى اللَّه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده " أَيْ هَذِهِ صِفَة مَنْ هَدَاهُ اللَّه وَمَنْ كَانَ عَلَى خِلَاف ذَلِكَ فَهُوَ مِمَّنْ أَضَلَّهُ اللَّه " وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • موسوعة فقه القلوب

    موسوعة فقه القلوب : يحتوي هذا الكتاب على 15 باب،وهي كالتالي: الباب الأول: فقه أسماء الله وصفاته. الباب الثاني: فقه الخلق والأمر. الباب الثالث: فقه الفكر والاعتبار. الباب الرابع: فقه الإيمان. الباب الخامس: فقه التوحيد. الباب السادس: فقه القلوب. الباب السابع: فقه العلم والعمل. الباب الثامن: فقه قوة الأعمال الصالحة. الباب التاسع: فقه العبودية. الباب العاشر: فقه النبوة والرسالة. الباب الحادي عشر: فقه الأخلاق. الباب الثاني عشر: فقه الشريعة. الباب الثالث عشر: فقه الطاعات والمعاصي. الباب الرابع عشر: فقه أعداء الإنسان. الباب الخامس عشر: فقه الدنيا والآخرة. ملحوظة: النسخة الأولى عبارة عن ملف pdf وهي نسخة مرسلة من قبل المؤلف - أثابه الله - وهي نسخة مجمعة، أما المفقات التي تليها فهي نسخة من الكتاب مجزئة إلى أربعة مجلدات، والنسخة الأخيرة عبارة عن ملف وورد واحد مضمن الخطوط.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/202860

    التحميل:

  • دموع المآذن [ العريفي ]

    دموع المآذن: قال المؤلف - حفظه الله -: «فهذه وقفات وتأملات .. في أحوال الخاشعين والخاشعات .. نؤَمِّن فيها على الدعوات .. ونمسح الدمعات .. ونذكر الصلوات .. نقف على مآذن المساجد .. فها هي دموع المآذن تسيل .. في البكور والأصيل .. عجبًا! هل تبكي المآذن؟! نعم تبكي المآذن .. وتئن المحاريب .. وتنوح المساجد .. بل تبكي الأرض والسماوات .. وتنهد الجبال الراسيات .. إذا غاب الصالحون والصالحات .. تبكي .. إذا فقدت صلاة المصلين .. وخشوع الخاشعين .. وبكاء الباكين .. تبكي .. لفقد عمارها بالأذكار .. وتعظيم الواحد القهار .. فمن يمسح دمعها .. ومن يرفع حزنها؟!».

    الناشر: موقع الشيخ العريفي www.arefe.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/333920

    التحميل:

  • اللهم سلم

    اللهم سلم: في زمن النسيان والغفلة والأمل والتسويف أقدم للإخوة القراء الجزء العاشر من سلسة «أين نحن من هؤلاء؟» تحت عنوان: «اللهم سلم». وفيه ذكر فضيلة الخوف من الله التي تقود إلى العمل وتحرك الهمم. وطرزته بحال السلف خوفًا ورجاء».

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/229620

    التحميل:

  • أعمال القلوب [ الشكر ]

    لمّا كان الإيمان نصفين: نصف شكر ونصف صبر. كان حقيقاً على من نصح نفسه واحب نجاتها وآثر سعادتها أن لا يهمل هذين الأصلين العظيمين; ولا يعدل عن هذين الطريقين القاصدين; وأن يجعل سيره إلى الله بين هذين الطريقين ليجعله الله يوم لقائه في خير الفريقين.

    الناشر: موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/340023

    التحميل:

  • مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة

    مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة: اشتمل هذا الكتاب على الحديث عن أثر القارة الأوروبية الكبير في تاريخ الجماعة البشرية كلها، مع بيان الفرق الواضح بين واقع الحياة الإسلامية وواقع الحياة الأوروبية النصرانية، والذي أدى إلى الولادة الأوروبية الجديدة من خلال الحروب الصليبية، وبعد ذلك ورد الحديث عن جمود الأدب في ظل الحكم الكنسي، والذي أدى إلى ظهور الحركات الأدبية والثورات العلمية ضد الكنيسة، ثم الكلام عن النظرية البنيوية ومدارسها وحلقاتها وتطبيقاتها في فروع المعرفة، وفي الختام كان الحديث عن الحداثة العربية وأسباب رواجها في العالم العربي.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/340496

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة