تفسير ابن كثر - سورة البقرة الآية 173 | القرآن الكريم للجميع
Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 173

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173) (البقرة) mp3
وَلَمَّا اِمْتَنَّ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِرِزْقِهِ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الْأَكْل مِنْ طَيِّبه ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّم عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْمَيْتَة وَهِيَ الَّتِي تَمُوت حَتْف أَنْفهَا مِنْ غَيْر تَذْكِيَة وَسَوَاء كَانَتْ مُنْخَنِقَة أَوْ مَوْقُوذَة أَوْ مُتَرَدِّيَة أَوْ نَطِيحَة أَوْ عَدَا عَلَيْهَا السَّبُع وَقَدْ خَصَّصَ الْجُمْهُور مِنْ ذَلِكَ مَيْتَة الْبَحْر لِقَوْلِهِ تَعَالَى " أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ " عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَحَدِيث الْعَنْبَر فِي الصَّحِيح وَفِي الْمُسْنَد وَالْمُوَطَّأ وَالسُّنَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْبَحْر " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ " وَرَوَى الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَابْن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث اِبْن عُمَر مَرْفُوعًا " أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَك وَالْجَرَاد وَالْكَبِد وَالطُّحَال " وَسَيَأْتِي تَقْرِير ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه فِي سُورَة الْمَائِدَة . " مَسْأَلَة " وَلَبَن الْمَيْتَة وَبِيضهَا الْمُتَّصِل بِهَا نَجِس عِنْد الشَّافِعِيّ وَغَيْره لِأَنَّهُ جُزْء مِنْهَا . وَقَالَ مَالِك فِي رِوَايَة هُوَ طَاهِر إِلَّا أَنَّهُ يَنْجُس بِالْمُجَاوَرَةِ وَكَذَلِكَ إِنْفَحَة الْمَيْتَة فِيهَا الْخِلَافُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا نَجِسَةٌ وَقَدْ أَوْرَدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ أَكْل الصَّحَابَة مِنْ جُبْن الْمَجُوس فَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي التَّفْسِير هَاهُنَا يُخَالِط اللَّبَن مِنْهَا يَسِيرٌ وَيُعْفَى عَنْ قَلِيل النَّجَاسَة إِذَا خَالَطَ الْكَثِيرَ مِنْ الْمَائِع . قَدْ رَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ حَدِيث سَيْف بْن هَارُون عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّمْن وَالْجُبْن وَالْفِرَاء فَقَالَ " الْحَلَال مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابه وَالْحَرَام مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابه وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَى عَنْهُ " وَكَذَلِكَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ لَحْم الْخِنْزِير سَوَاء ذُكِّيَ أَوْ مَاتَ حَتْف أَنْفه وَيَدْخُل شَحْمه فِي حُكْم لَحْمه إِمَّا تَغْلِيبًا أَوْ أَنَّ اللَّحْم يَشْمَل ذَلِكَ أَوْ بِطَرِيقِ الْقِيَاس عَلَى رَأْي . وَكَذَلِكَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه وَهُوَ مَا ذُبِحَ عَلَى غَيْر اِسْمه تَعَالَى مِنْ الْأَنْصَاب وَالْأَنْدَاد وَالْأَزْلَام وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة يَنْحَرُونَ لَهُ . وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيّ عَنْ اِبْن عَطِيَّة أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اِمْرَأَة عَمِلَتْ عُرْسًا لِلَعِبِهَا فَنَحَرَتْ فِيهِ جَزُورًا فَقَالَ لَا تُؤْكَل لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِصَنَمٍ وَأَوْرَدَ الْقُرْطُبِيّ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَمَّا يَذْبَحهُ الْعَجَم لِأَعْيَادِهِمْ فَيُهْدُونَ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَتْ : مَا ذُبِحَ لِذَلِكَ الْيَوْم فَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ وَكُلُوا مِنْ أَشْجَارهمْ . ثُمَّ أَبَاحَ تَعَالَى تَنَاوُل ذَلِكَ عِنْد الضَّرُورَة وَالِاحْتِيَاج إِلَيْهَا عِنْد فَقْد غَيْرهَا مِنْ الْأَطْعِمَة فَقَالَ" فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ " أَيْ فِي غَيْر بَغْي وَلَا عُدْوَان وَهُوَ مُجَاوَزَة الْحَدّ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ أَيْ فِي أَكْل ذَلِكَ إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم " وَقَالَ مُجَاهِد فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ أَوْ مُفَارِقًا لِلْأَئِمَّةِ أَوْ خَارِجًا فِي مَعْصِيَة اللَّه فَلَهُ الرُّخْصَة وَمَنْ خَرَجَ بَاغِيًا أَوْ عَادِيًا أَوْ فِي مَعْصِيَة اللَّه فَلَا رُخْصَة لَهُ وَإِنْ اُضْطُرَّ إِلَيْهِ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَقَالَ سَعِيد - فِي رِوَايَة عَنْهُ - وَمُقَاتِل بْن حَيَّان : غَيْر بَاغٍ يَعْنِي غَيْر مُسْتَحِلِّهِ وَقَالَ السُّدِّيّ غَيْر بَاغٍ يَبْتَغِي فِيهِ شَهْوَته وَقَالَ آدَم بْن أَبِي إِيَاس حَدَّثَنَا ضَمْرَة عَنْ عُثْمَان بْن عَطَاء وَهُوَ الْخُرَاسَانِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَا يَشْوِي مِنْ الْمَيْتَة لِيَشْتَهِيَهُ وَلَا يَطْبُخهُ وَلَا يَأْكُل إِلَّا الْعَلَقَة وَيَحْمِل مَعَهُ مَا يُبَلِّغهُ الْحَلَال فَإِذَا بَلَغَهُ أَلْقَاهُ وَهُوَ قَوْله " وَلَا عَادٍ " وَيَقُول لَا يَعْدُو بِهِ الْحَلَال وَعَنْ اِبْن عَبَّاس لَا يَشْبَع مِنْهَا وَفَسَّرَهُ السُّدِّيّ بِالْعُدْوَانِ وَعَنْ اِبْن عَبَّاس" غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ " قَالَ " غَيْر بَاغٍ " فِي الْمَيْتَة وَلَا عَادٍ فِي أَكْله وَقَالَ قَتَادَة فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ قَالَ غَيْر بَاغٍ فِي الْمَيْتَة أَيْ فِي أَكْله أَنْ يَتَعَدَّى حَلَالًا إِلَى حَرَام وَهُوَ يَجِد عَنْهُ مَنْدُوحَة . وَحَكَى الْقُرْطُبِيّ عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله فَمَنْ اُضْطُرَّ أَيْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ اِخْتِيَاره . " مَسْأَلَة " إِذَا وَجَدَ الْمُضْطَرّ مَيْتَة وَطَعَام الْغَيْر بِحَيْثُ لَا قَطْع فِيهِ وَلَا أَذًى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَة بَلْ يَأْكُل طَعَام الْغَيْر بِغَيْرِ خِلَاف - كَذَا قَالَ - ثُمَّ قَالَ وَإِذَا أَكَلَهُ وَالْحَالَة هَذِهِ هَلْ يَضْمَن أَمْ لَا ؟ فِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِك ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْ سُنَن اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث شُعْبَة عَنْ أَبِي إِيَاس جَعْفَر بْن أَبِي وَحْشِيَّة سَمِعْت عَبَّاد بْن شُرَحْبِيل الْعَنْزِيّ قَالَ : أَصَابَتْنَا عَامًا مَخْمَصَةٌ فَأَتَيْت الْمَدِينَة فَأَتَيْت حَائِطًا فَأَخَذْت سُنْبُلًا فَفَرَكْته وَأَكَلْته وَجَعَلْت مِنْهُ فِي كِسَائِي فَجَاءَ صَاحِب الْحَائِط فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي فَأَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ لِلرَّجُلِ " مَا أَطْعَمْته إِذْ كَانَ جَائِعًا وَلَا عَلَّمْته إِذْ كَانَ جَاهِلًا " فَأَمَرَهُ فَرَدَّ إِلَيْهِ ثَوْبه وَأَمَرَ لَهُ بِوَسْقٍ مِنْ طَعَام أَوْ نِصْف وَسْق إِسْنَادٌ صَحِيحٌ قَوِيٌّ جَيِّدٌ وَلَهُ شَوَاهِد كَثِيرَة مِنْ ذَلِكَ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّمَر الْمُعَلَّق فَقَالَ " مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَة بِفِيهِ غَيْر مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْء عَلَيْهِ" الْحَدِيث : وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان فِي قَوْله " فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّه غَفُور " فِيمَا أَكَلَ مِنْ اِضْطِرَار وَبَلَغْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُزَاد عَلَى ثَلَاث لُقَم وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : غَفُور لِمَا أَكَلَ مِنْ الْحَرَام رَحِيم إِذْ أَحَلَّ لَهُ الْحَرَام فِي الِاضْطِرَار وَقَالَ وَكِيع أَخْبَرَنَا الْأَعْمَش عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوق قَالَ : مَنْ اُضْطُرَّ فَلَمْ يَأْكُل وَلَمْ يَشْرَب ثُمَّ مَاتَ دَخَلَ النَّار وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَة لِلْمُضْطَرِّ عَزِيمَة لَا رُخْصَة قَالَ أَبُو الْحَسَن الطَّبَرِيّ : الْمَعْرُوف بِإِلْكِيَا الْهَرَّاسِيّ رَفِيق الْغَزَالِيّ فِي الِاشْتِغَال وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْدنَا كَالْإِفْطَارِ لِلْمَرِيضِ وَنَحْو ذَلِكَ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • العلمانية.. وثمارها الخبيثة

    العلمانية: هذا الكتاب يخبرك بالخطر القادم والخطر الدفين، في أسلوب سهل قريب يفهمه المبتدئ، وينتفع به المنتهي.. إنه كتاب يُعرفك بعدوك القائم، حيث تبين الرسالة حقيقة العلمانية، ومصادرها، وخطرها على ديننا، وآثارها المميتة.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/340493

    التحميل:

  • صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

    صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: كتاب يُبيِّن كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي بذكر أحاديث صفة صلاته - عليه الصلاة والسلام - مع بيان صحتها من ضعفها; وشرحها والتعليق عليها بما يُجلِّي معانيها وفوائدها.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/316726

    التحميل:

  • حديث: «مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم» دراسة حديثية دعوية

    حديث: «مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم» دراسة حديثية دعوية: في هذه الرسالة دراسة لهذا الحديث فهمًا، واستنباطًا للأحكام القيمة، والدروس النافعة بقدر المستطاع، ليكون دليلاً وهاديًا لكل مسلم، وبالأخص لكل داعيةٍ يريد سلوك صراط الله تعالى على فهمٍ وبصيرةٍ.

    الناشر: شبكة السنة النبوية وعلومها www.alssunnah.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/330178

    التحميل:

  • خلاصة في علم الفرائض

    رسالة تحتوي على بيان بعض أحكام المواريث باختصار.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/335002

    التحميل:

  • فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري رحمه الله

    فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري رحمه الله [ دراسة دعوية للأحاديث من أول كتاب الوصايا إلى نهاية كتاب الجزية والموادعة ] : قام المؤلف - حفظه الله - بالتعريف بالإمام البخاري بإيجاز مع التعريف بصحيحه، وجهوده في الصحيح، ومكانته عند الأمة الإسلامية، ثم بيان مفهوم فقه الدعوة الصحيح، ودراسة مائة واثنين وتسعين حديثا مع رواياتها المتعددة في الصحيح، واستخراج الدروس الدعوية منها، والعناية والتركيز والاهتمام بالدروس الخاصة بالداعية، والمدعو، وموضوع الدعوة، ووسائلها، وأساليبها، وتاريخ الدعوة، وميادينها، وخصائصها، ودلائل النبوة، وآداب الجدل، والحوار، والمناظرة، ثم ذكر المنهج المستخلص من الدراسة.

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/276145

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة